مظاهرات كسلا و التهريب و الحقائق الاقتصادية

قولوا حسنا الثلاثاء 8-11-2011


مظاهرة كسلا والتهريب والحقائق الأقتصادية

محجوب عروة
erwa.mahgoub@gmail.com

تأخرت أياما بسبب سفرى و لمعرفة حقيقة المظاهرة التى حدثت مؤخرا فى مدينة كسلا حتى لا أكتب دون معلومات. قال محدثيى وهم أحد أقربائى وآخر صديق أثق فيهم من كسلا أن المظاهرة كانت بسبب اغتيال أحد العاملين مع منسوبى مكافحة التهريب داخل المدينة بالقرب من مقابر الحسن وحسين اثر مطاردة من شرطة مكافحة التهريب فتجمع أهل الشهيد وطالبوا بالقبض على القاتل قبل قيامهم بدفن المرحوم.. وهى لم تكن الأولى.
تثير هذه الحادثة عدة تساؤلات وتحليلات اقتصادية فى المقام الأول، ولعلى أبدؤها بروايتين حقيقيتين حدثت الأولى فى عهد الأدارة الأستعمارية البريطانية والثانية فى العهد الوطنى. ففى عهد الأدارة البريطانية قبض شرطى سودانى من مكافحة التهريب على لورى وصاحبه مهربا السكر من اثيوبيا وأحضروه الى المفتش الأنجليزى لمعاقبته وكانت كسلا حينها خالية من السكر فسأل المفتش العسكرى السودانى الذى قبض على صاحب البضاعة: أنت متأكد أنه هرّب السكر من أثيوبيا؟ فرد الشرطى مؤكدا ذلك،وهنا مزق المفتش المحضر ووجه اللوم للشرطى قائلا يامغفلين، كان يجب عليكم أن تكرموا هذا المهرب بدلا من القبض عليه لأنه جاء ببضاعة مفقودة بكسلا، ثم وجه حديثه للمهرب قائلا اذهب وأحضر مزيدا من السكر ولن نعترض عليك!!
الرواية الثانية أكد لى المرحوم العميد عبد المنعم برى أنه عندما كان فى الجيش حارسا للحدود السودانية فى الستينات جاءتهم أوامر من الحكومة السودانية بألا يعترضوا أى لورى محمل بالذرة الى أثيوبيا لأن انتاج الذرة فى القضارف وفير جدا ويفيض عن استهلاك البلد ولا مانع من أن تذهب الذرة لأثيوبيا ويستوردوا بثمنها بضائع أثيوبية يحتاجها السوق السودانى!
تذكرت هاتين الروايتين وأنا أستمع لأسباب مظاهرة كسلا الأخيرة بسبب قتل أحدهم داخل المدينة من قبل ادارة مكافحة التهريب رغم أن هناك توجيه منذ الوالى الأسبق ابراهيم محمود ألا يعترضوا أى بضاعة أو شخص داخل المدينة. وهنا تنشأ عدة أسئلة لماذا لم تلتزم شرطة المكافحة بالقرار بل تزهق أرواح داخل كسلا؟ ثم أين والى كسلا وما موقفه من ذلك القرار؟ وهل سيحاسب القاتل وادارته أم لا؟ وهذا يقودنى لسؤال أهم ما فائدة طريق الأسفلت الجديد الذى احتفل به الأيام الماضية وهل يفهم الوالى وشرطة المكافحة مغزاه ومعناه بأنه لتشجيع حركة التجارة والبشر؟ فالشاهد أن الحركة التجارية الحدودية بين السودان واريتريا لم و لا ولن تتوقف طالما هناك بشر فى الدولتين ولعل ذلك ينسحب على كل دول العالم وليس أفريقيا وحدها والحل هو تقنين التجارة وتسهيل الحركة التجارية والا فلا داعى لطريق الأسفلت هذا.
قد يقول قائل بأن الحكومة السودانية لا تستفيد من دخول بضائع زهيدة الثمن القادمة عبر اريتريا لأنها تفقد عائدات الجمارك ولكنى أقول أن المواطن مستفيد اذ يشترى السلع العابرة من البحر الأحمر بسعر زهيد، وهنا ينشأ سؤال هام الى متى يظل الأقتصاد السودانى اقتصادا ريعيا يعتمد على الرسوم والجيايات بدلا عن اقتصاد الأنتاج الحقيقى فكما ذكرت فى مثال العميد المرحوم برى فان الزيادة والفوائض فى انتاج الذرة هو الذى يعطى قيمة اضافية للأقتصاد السودانى وقس على ذلك الصناعة والتعدين وغيرهما.
الحل هو اقتصاد الأنتاج وليس الأقتصاد الريعى فاذا كانت أرض السودان الذاخر بالموارد والثروات فليصبح أكبر سوق تجارى فى المنطقة الأفريقية بل
+ العربية..أقول دائما السودان أفضل دكان ناصية فى هذه المنطقة من العالم، ولكن من يفهّم اقتصاديينا وسياسيينا؟
نشر بتاريخ 07-11-2011